فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين}.
هذه الجملة على سبيل التوكيد لما قبلها في انتفاء كون هذه الأصنام قادرة على شيء من نفع أو ضرّ أي الذين تدعونهم وتسمونهم آلهة من دون الله الذي أوجدها وأوجدكم هم عباد وسمّى الأصنام عبادًا وإن كانت جمادات لأنهم كانوا يعتقدون فيها أنها تضرّ وتنفع فاقتضى ذلك أن تكون عاقلة و{أمثالكم}.
قال الحسن في كونها مملوكة لله، وقال التبريزي في كونها مخلوقة، وقال مقاتل: المراد طائفة من العرب من خزاعة كانت تعبد الملائكة فأعلمهم تعالى أنهم عباد أمثالهم لا آلهة انتهى، فعلى هذا جاء الإخبار إخبارًا عن العقلاء.
وقال الزمخشري: {عباد أمثالكم} استهزاء بهم أي قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء، فإن ثبت ذلك فمنهم عباد أمثالكم لا تفاضل بينكم ثم أبطل أن يكونوا عبادًا أمثالكم فقال: ألهم {أرجل يمشون بها} انتهى؟ وليس كما زعم لأنه تعالى حكم على هؤلاء المدعوّين من دون الله أنهم عباد أمثال الداعين فلا يقال في الخبر من الله فإن ثبت ذلك لأنه ثابت ولا يصحّ أن يقال ثم أبطل أن يكونوا عبادًا أمثالكم فقال: {ألهم أرجل} لأن قوله: {ألهم أرجل} ليس إبطالًا لقوله: {عباد أمثالكم} لأن المثلية ثابتة أما في أنهم مخلوقون أو في أنهم مملوكون مقهورون وإنما ذلك تحقير لشأن الأصنام وأنهم دونكم في انتفاء الآلات التي أعدت للانتفاع بها مع ثبوت كونهم أمثالكم فيما ذكر ولا يدلّ إنكار هذه الآلات على انتفاء المثلية فيما ذكر وأيضًا فالأبطال لا يتصور بالنسبة إليه تعالى لأنه يدلّ على كذب أحد الخبرين وذلك مستحيل بالنسبة إلى الله تعالى، وقد بيّنا ذلك في قوله: {أولئك كالأنعام بل هم أضلّ} وقرأ ابن جبير إن خفيفة و{عبادًا أمثالكم} بنصب الدال واللام واتفق المفسرون على تخريج هذه القراءة على أنّ إن هي النافية أعملت عمل ما الحجازية فرفعت الاسم ونصبت الخبر فعبادًا أمثالكم خبر منصوب قالوا: والمعنى بهذه القراءة تحقير شأن الأصنام ونفي مماثلتهم للبشر بل هم أقل وأحقر إذ هي جمادات لا تفهم ولا تعقل وإعمال {إن} إعمال ما الحجازية فيه خلاف أجاز ذلك الكسائي وأكثر الكوفيين ومن البصريين ابن السّراج والفارسي وابن جني ومنع من إعماله الفرّاء وأكثر البصريين واختلف النقل عن سيبويه والمبرّد والصحيح أن إعمالها لغة ثبت ذلك في النثر والنظم وقد ذكرنا ذلك مشبعًا في شرح التسهيل وقال النحاس: هذه قراءة لا ينبغي أن يقرأ بها بثلاث جهات إحداها أنها مخالفة للسواد والثانية أن سيبويه يختار الرفع في خبر أن إذا كانت بمعنى ما فيقول: إن زيد منطلق لأن عمل ما ضعيف وإن بمعناها فهي أضعف منها والثالثة أن الكسائي رأى أنها في كلام العرب لا تكون بمعنى ما إلا أن يكون بعدها إيجاب انتهى وكلام النحاس هذا هو الذي لا ينبغي لأنها قراءة مروية عن تابعيّ جليل ولها وجه في العربية وأما الثلاث جهات التي ذكرها فلا يقدح شيء منها في هذه القراءة أما كونها مخالفة للسواد فهو خلاف يسير جدًّا لا يضرّ ولعله كتب المنصوب على لغة ربيعة في الوقف على المنون المنصوب بغير ألف فلا تكون فيه مخالفة للسواد وأما ما حكي عن سيبويه فقد اختلف الفهم في كلام سيبويه في {أنّ} وأما ما حكاه عن الكسائي فالنقل عن الكسائي أنه حكى إعمالها وليس بعدها إيجاب والذي يظهر لي أن هذا التخريج الذي خرجوه من أن إن للنفي ليس بصحيح لأن قراءة الجمهور تدل على إثبات كون الأصنام عبادًا أمثال عابديها وهذا التخريج يدل على نفي ذلك فيؤدي إلى عدم مطابقة أحد الخبرين الآخر وهو لا يجوز بالنسبة إلى الله تعالى، وقد خرجت هذه القراءة في شرح التسهيل على وجه غير ما ذكروه وهو أن إن هي المخففة من الثقيلة وأعملها عمل المشددة وقد ثبت أن إن المخففة يجوز إعمالها عمل المشدّدة في غير المضمر بالقراءة المتواترة وإن كلا لما وبنقل سيبويه عن العرب لكنه نصب في هذه القراءة خبرها نصب عمر بن أبي ربيعة المخزومي في قوله:
إذا اسود جنح الليل فلتأتِ ولتكن ** خطاك خفافًا إن حرّاسنا أسدا

وقد ذهب جماعة من النحاة إلى جواز نصب أخبار إنّ وأخواتها واستدلوا على ذلك بشواهد ظاهرة الدلالة على صحة مذهبهم وتأولها المخالفون، فهذه القراءة الشاذة تتخرّج على هذه اللغة أو تتأوّل على تأويل المخالفين لأهل هذا المذهب وهو أنهم تأولوا المنصوب على إضمار فعل كما قالوا في قوله:
يا ليت أيام الصّبا رواجعا

إن تقديره أقبلت رواجعا فكذلك تؤول هذه القراءة على إضمار فعل تقديره {أن الذين تدعون من دون الله} تدعون عبادًا أمثالكم، وتكون القراءتان قد توافقتا على معنى واحد وهو الإخبار أنهم عباد، ولا يكون تفاوت بينهما وتخالف لا يجوز في حقّ الله تعالى وقرئ أيضًا {إن} مخففة ونصب {عبادًا} على أنه حال من الضمير المحذوف العائد من الصلة على الذين وأمثالكم بالرفع على الخبر أي {أن الذين تدعونهم من دون الله} في حال كونهم عبادًا أمثالكم في الخلق أو في الملك فلا يمكن أن يكونوا آلهة {فادعوهم} أي فاختبروهم بدعائكم هل يقع منهم إجابة أو لا يقع والأمر بالاستجابة هو على سبيل التعجيز أي لا يمكن أن يجيبوا كما قال: {ولو سمعوا ما استجابوا لكم} ومعنى {إن كنتم صادقين} في دعوى إلهيتهم واستحقاق عبادتهم كقول إبراهيم عليه السلام لأبيه {لمَ تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئًا}. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} تقريرٌ لما قبله من عدم اتباعِهم لهم أي إن الذين تعبدونهم من دونه تعالى من الأصنام وتسمّونهم آلهةً {عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} أي مماثلةٌ لكم لكن لا من كل وجهٍ بل من حيث أنها مملوكةٌ لله عز وجل مسخَّرةٌ لأمره عاجزة عن النفع والضررِ وتشبيهُها بهم في ذلك مع كون عجزِها عنهما أظهرَ وأقوى من عجزهم إنما هو لاعترافهم بعجز أنفسِهم وادّعائِهم لقدرتها عليهما إذ هو الذي يدعوهم إلى عبادتها والاستعانةِ بها وقوله تعالى: {فادعوهم فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} تحقيقٌ لمضمون ما قبله بتعجيزهم وتبكيتِهم أي فادعوْهم في جلب نفعٍ أو كشف ضُرَ {إِن كُنتُمْ صادقين} في زعمكم أنهم قادرون على ما أنتم عاجزون عنه. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ}.
{إِنَّ الذين تَدْعُونَ} تقريري لما قبله من عدم اتباعهم لهم، والدعاء اما بمعنى العبادة تسمية لها بجزئها، أو بمعنى التسمية كدعوته زيدًا ومفعولاه محذوفان أي إن الذين تعبدونهم {مِن دُونِ الله} أو تسمونهم آلهة من دونه سبحانه وتعالى: {عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} أي مماثلة لكم من حيث أنها مملوكة لله تعالى مسخرة لأمره عاجزة عن النفع والضر كما قال الأخفش، وتشبيهًا بهم في ذلك مع كون عجزها عنهما أظهر وأقوى من عجزهم إنما هو لاعترافهم بعجز أنفسهم وزعمهم قدرتها عليهما إذ هو الذي يدعوهم إلى عبادتها والاستعانة بها، وقيل: يحتمل أنهم لما نحتوا الأصنام بصور الأناسي قال سبحانه لهم: إن قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء أمثالكم فلا يستحقون عبادتكم كما لا يستحق بعضكم عبادة بعض فتكون المثلية في الحيوانية والعقل على الفرض والتقدير لكونهم بصورة الأحياء العقلاء، وقرأ سعيد بن جبير {إِنَّ الذين تَدْعُونَ} بتخفيف إن ونب عبادًا أمثالكم، وخرجها ابن جني على أن إن نافية عملت عمل ما الحجازية وهو مذهب الكسائي وبعض الكوفيين.
واعترض أولًا: بأنه لم يثبت مثل ذلك، وثانيًا: بأنه يقتضي نفي كونهم عبادًا أمثالهم، والقراءة المشهورة تثبته فتتناقض القراءتان، وأجيب عن الأول: بأن القائل به يقول: إنه ثابت في كلام العرب كقوله:
أن هو مستوليًا على أحد ** إلا على أضعف المجانين

وعن الثاني: أنه لا تناقض لأن المشهورة تثبت المثلية من بعض الوجوه وهذه تنفيها من كل الوجوه أو من وجه آخر فإن الأصنام جمادات مثلًا والداعين ليسوا بها، وقيل: إنها إن المخففة من المثقلة وإنها على لغة من نصب بها الجزئين كقوله:
إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن ** خطاك خفافا أن حراسنا أسدا

في رأي ولا يخفى، أن إعمال المخففة ونصب جزئيهما كلاهما قليل ضعيف، ومن هنا قيل: إنها مهملة وخبر المبتدأ محذوف وهو الناصب لعبادًا و{أمثالكم} على القراءتين نعت لعباد عليهما أيضًا، وقرئ {إن} بالتشديد و{عِبَادًا} بالنصب على أنه حال من العائد المحذوف و{أمثالكم} بالرفع على أنه خبر أن، وقرئ به مرفوعًا في قراءة التخفيف ونصب {عِبَادِ} وخرج ذلك على الحالية والخبرية أيضًا {فادعوهم فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} تحقيق لمضمون ما قبله بتعجيزهم وتبكيتهم أي دافعوهم في رفع ضر أو جلب نفع {إِن كُنتُمْ صادقين} في زعمكم أنهم قادرون على ما أنتم عاجزون عنه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ}.
هذه الجملة على الوجه الأول في كون المخاطب، بقوله: {وإن تَدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم} [الأعراف: 193] الآية، النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين أن تكون استئنافًا ابتدائيًا انتُقل به إلى مخاطبة المشركين، ولذلك صدر بحرف التوكيد لأن المشركين ينكرون مساواة الأصنام إياهم في العبودية، وفيه الالتفات من الغيبة إلى الخطاب.
والمراد بالذين تدعون من دون الله: الأصنام، فتعريفها بالموصول لتنبيه المخاطبين على خطأ رأيهم في دعائهم إياها من دون الله، في حين هي ليست أهلا لذلك، فهذا الموصول كالموصول في قول عبدة بن الطبيب:
إن الذين تُرْوَنُهم إخوانكم ** يشفي غليل صدورهم أن تُصرعوا

ويجيء على الوجه الثاني في الخطاب السابق: أن تكون هذه الجملة بيانًا وتعليلًا لجملة {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم} [الأعراف: 193] أي لأنهم عباد أي مخلوقون.
و{العبد} أصله المملوك، ضد الحر، كما في قوله تعالى: {الحر بالحر والعبد بالعبد} [البقرة: 178] وقد أطلق في اللسان على المخلوق: كما في قوله تعالى: {إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدًا} [مريم: 93] ولذلك يطلق العبد على الناس، والمشهور أنه لا يطلق إلا على المخلوقات من الآدميين فيكون إطلاقُ العباد على الأصنام كإطلاق ضمير جمع العقلاء عليها بناء على الشائع في استعمال العرب يومئذ من الإطلاق، وجعله صاحب الكشاف اطلاقَ تهكم واستهزاء بالمشركين، يعني أن قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء فلو بلغوا تلك الحالة لما كانوا إلا مخلوقين مثلكم، قال ولذلك أبطل أن يكونوا عبادًا بفوله {ألهم أرجل} [الأعراف: 195] إلى آخره.
والأحسن عندي أن يكون إطلاق العباد عليهم مجازًا بعلاقة الإطلاق عن التقييد روعي في حسنة المشاكلة التقديرية لأنه لما ماثلهم بالمخاطبين في المخلوقية وكان المخاطبون عباد الله أطلق العباد على مماثليهم مشاكلة.
وفرع على المماثلة أمر التعجيز بقوله: {فادعوهم} فإنه مستعمل في التعجيز باعتبار ما تفرع عليه من قوله: {فليستجيبوا لكم} المضمن إجابة الأصنام إياهم، لأن نفس الدعاء ممكن ولكن استجابته لهم ليست ممكنة، فإذا دعوهم فلم يستجيبوا لهم تبين عجز الآلهة عن الاستجابة لهم، وعجز المشركين عن تحصيلها مع حرصهم على تحصيلها لانهاض حجتهم، فئال ظهور عجز الأصنام عن الاستجابة لعبادها إلى إثبات عجز المشركين عن نهوض حجتهم لتلازم العجزين، قال تعالى: {أن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم} [فاطر: 14].
والأظهر أن المراد بالدعوة المأمور بها الدعوة للنصر والنجدة كما قال وذاك المازني إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم لأيّة حرب أم بأي مكان.
وبهذا يظهر أن أمر التعجيز كناية عن ثبوت عجز الأصنام عن إجابتهم، وعجز المشركين عن إظهار دعاء للأصنام تعقبة الاستجابة.
والأمر باللام في قوله: {فليستجيبوا} أمرُ تعجيز للأصنام، وهو أمر الغائب فإن طريق أمر الغائب هو الأمر.
ومعنى توجيه أمر الغائب السامع أنه مأمور بأن يبلِّغ الأمر للغائب.
وهذا أيضًا كناية عن عجز الأصنام عن الاستجابه لعجزها عن تلقي التبليغ من عبدتها. اهـ.